بسم الله الرحمان الرحيم
ده الجزء الثاني من القصه
(العلامات الداميه)
(عادل ) ومديرية الأمن في الإسكندرية ..
انا بطبعي من الطراز العصبي مرهف الحس ، الذي لا يشعر براحة في هذا الجو .. ولو رأي وجهي في أي قسم شرطة لحسبت أنني جئت لاعترف بقتل ستة او سبعة أطفال أبرياء .. لكن مديرية أمن الإسكندرية تعني بالنسبة لي جزءا مهما من ذاتي : ( عادل ) صديق الصبا الذي صار عميدا الآن ،والذي أفضل لقاءه بعيدا عن البيت لأسباب يعرفها قارئ هذه السلسلة جيدا ..
حتى وانت في نهاية الممر تسمع صوته الصاخب .. يتشاجر او يمزح او يهمس .. فهو من هؤلاء الأشخاص الذين يهز همسهم المكان .. تسمع صوته من وراء البارفان فتقول لجندي الحراسة المتشكك على الباب إنك ترغب في لقائه ..
عندما تدخل تحمل ما سيحدث لك.. كل هذا الصراخ و ( أهلااااااااااااان ) التي تستمر لربع ساعة ثم تحمل كل الضربات واللكمات على كتفيك ، وكل القسم المغلظ على انه لن يتركك ..
- " انت رهن الاعتقال ! نياهاااااااااهاهاهاه ! "
يقوله او هو يقرع الجرس ليطلب لك القهوة .. ..
بعد كل هذا الاستقبال المرعب تجلس وتصارحه بأنك جئت لأنك تشعر بفراغ روح رهيب . أنت بحاجة الى ان ترى خيطا مجرد خيط يذكرك بكيانك القديم ..
يسألك عن أحوالك وتسأله عن أحواله وأحوال ( اشرف ) ابنه .. وتشعر بذلك المذاق الأليم اللذيذ لذكريات الماضي ..
بعد ربع ساعة من الكلام قال وهو يحك راسك :
- " بالمناسبة .. سعيد لأنك جئت الآن .. أردت ان أسالك عن شيء ما .. "
ثم مد يده يعبث في الدرج وأخرج مظروفا اصفر حكومي الطابع كئيبا .. وقال :
- " استشارة.. "
سالته باسما :
- " هل تسال الصديق ام الطبيب ام خبير الميتافيزيقا ؟ "
قال في عصبية :
- " لا يهمني ان كنت اسأل الشيطان ذاته .. المهم أنني اطلب رأيك .. "
ثم ناولني مجموعة من الصور الفوتوغرافية كبيرة الحجم .. وعقد أصابعه تحت أذنه ينتظر رأيي ..
رأيت في الصور جثة رجل .. طريقة التصوير والزوايا المتعددة توحي بأنها صور التقطها خبراء المختبر الجنائي في مكان حادث ما .. لم استطع تحديد كيفية موت الرجل لان بقعة سوداء كبيرة كانت تحتل موضع صدره .. سوداء تعنى حمراء طبعا لان الصور بالأبيض والأسود ..
عامة كانت ملامح الرجل اقرب الى الرقي .. وثيابه توحي بأنه من الطبقة الوسطى او أعلى قليلا .. وعلى الأرض كانت بقعة من الدم .. بقعة غريب الشكل فعلا ..
على أنني فهمت الامر اكثر في لقطات مقرة .. ان كلمة قد كتبت بهذه البقعة وبوضوح شديد :
( زكي) ..
كان هذا كل شيء ..
أعدت له الصور ورفعت حاجبي بمعنى التساؤل .. لكنه سألني بدوره وهو يشعل لفافة تبغ :
- " رأيك ؟"
قلت وانا أفكر بحثا عن مقلب ما أعده لي :
-" لو كان القاتل يدعى (زكي ) لكانت القصة واضحة . . "
نفث سحابة كثيفة من الدخان في هواء الغرفة وسألني :
-" والاحتمالات الأخرى ؟ "
- " من الممكن ان يكون القتيل ذاته هو ( زكي ) .. "
ابتسم وقال في تهكم :
- " لا . .اسمه ( يوسف .. ابو الحسن ) .. وهو مدرس بكلية الآداب جامعة ( ..... ) . "
قلت وانا اعيد التفكير :
-" إذن الاحتمال الوحيد هو ان هذا اسم القاتل كما كتبه القتيل .. إن هذا المشهد خالد في الألغاز البوليسية .. وغالبا ما يتضح ان البوليس يقرأ الاسم بشكل خطأ .. حرف M يتضح انه حرف W .. وقعد ما يكونون قد أرهقوا ( مارتن ) البائس طيلة القصة ، يتضح ان ( ونستون ) هو القاتل .. "
أعاد لي الصور وقال :
-" ألا يوجد ما يعارض هذه الفكرة ؟ "
تأملت الصور في عناية فلم أر ما يمنع .. قلت له بصراحة انه ( قد غلب حماري ) .. فقال :
-" لم تكن أنامل القتيل ملوثة بالدم .. راحتاه واضحتان في الصور .. لو كتب اسم قاتله لوجدت الدم على أنامله ، ثم لاحظ الخط كذلك .. "
وأشار بسن قلمه الى الصورة التي تظهر الكلمة وقال :
-" خط جميل جدا . . لا أتخيل ان شخصا يلفظ أنفاسه الأخيرة سيراعي قواعد الخط ويكتب الاسم بهذا الوضوح . دعك من ان وضع الجثة يجعل من المستحيل ان يعتدل ليكتب الكلمة في هذا الموضع بالذات . "
قلت في غيظ :
- " يا سلام ! يا أخي زحف حتى كتبها ثم انقلب على ظهره ومات .. إن المتحضرين يبدلون وضعهم أحيانا..."
كان قد فكر في كل شيء وهذا طبيعي .. ما يثير غيظي هو انه يتوقع ان اصل لمدى التقدم في الاستنتاج الذي بلغه هو نفسه وهو خطأ يكرره البشر كثيرا . تجهد نفسك أياما في قضية ما ثم تتبادل الرأي مع شخص يسمع عنها لأول مرة ، فيشير ذهولك بغبائه وبطء تفكيره ، كل اقتراحاته قديمة غير مبتكرة .. وذا نموذج آخر لظلم الإنسان وافتقاره للعدل ..
قال في ثقة :
-" ما كان ليقدر على تبديل وضعه لأنه مات على الفور .. لم توجد فترة احتضار كافية .. "
- " والسبب ؟"
اتسعت عيناه في دهشة وقال :
- " كيف تسال عن هذا وأنت طبيب ؟ لقد انتزع قلبه من صدره ! حسبتك لاحظت هذا !"
***
قلت له ونحن نتناول الغداء في ذلك المطعم على الكورنيش :
- " لم ار جريمة بهذه البشاعة .. لحسن الحظ أنني لم ارها رأي العين .. أشياء كهذه تسمع عنها في قصص الحروب الهمجية القديمة فقط .. "
هز رأسه موافقا وأردف :
- ولا انا وحياتك .. الأمر يوحي بالكراهية .. الكثير منها .. ليس التمثيل بالجثث بهذه الطريقة من سمات الشخصية المصرية عموما .. حتى القتلة والسفاحين يتحركون تحت سقف لا يجسرون على تجاوزه .. لهذا شعرت ان في الامر ما يتجاوز القواعد المعروفة لنا ورأيت ان أسالك .. "
ثم نظر الى طريق الكورنيش خارج واجهة المطعم البانورامية وسألني :
- " إذن انت ترى معي ان المقتول لم يفعله ا.. فماذا عن القاتل ؟ "
قلت في ثقة :
-" انت لم تترك مخرجا آخر .. لقد فعلها القاتل .."
وتذكرت جريمة مقتل ( شارون تيت ) ممثلة ( هوليوود ) الحسناء . كانت جريمة ساخنة في ذلك العصر .. القصة غريبة واقرب الى مسرح العبث .. هناك مخبول يدعى ( مانسون ) الذي اشتهر باسم ( زعيم الهيبيز ) قام مع اتباعه بمهاجمة بيت الممثلة .. وكانت مذبحة لها وضيوفها وابنها الذي كانت تحمله في بطنها بعد ، وقد نجا زوجها المخرج العالمي ( رومان بولانسكي ) من المذبحة بمعجزة ،لكنه تحول الى عبقري مخبول بعدها .. لقد وجدالبوليس المذبحة ووجد كلمات مكتوبة بالدم على جدران البيت ( الخنازير .. الخنازير ) .. فيما بعد اتضح ان الاخ ( مانسون ) كان يملك نظرية عبقرية .. سوف يرتكب المذبحة فيلصق رجال الشرطة التهمة بالزنوج .. يثور الزنوج ويقضون على البيض .. هكذا يصير الطريق مفتوحا أمامه للسيطرة على أمريكا فالعالم؟
لا تعجب فعقار الهلوسة LSD قادر على هذا وأكثر ..
أفقت على صوت (عادل ) يسألني :
- " حسن .. وماذا يجنيه القاتل من كتابة اسم ( زكي ) ؟
فكرت في رد مستفز يثير غيظه فم أجد أفضل من التالي :
- التفسير الوحيد هو ان القاتل يدعى ( زكي ) !"
- " انت عبقري !"
- " لقد كان فخورا بما قام به لذا وقع على عمله باسمه .. كل فنان أصيل يشعر بهذه الرغبة بمجرد ان ينتهي من لوحته الفنية! "
راح ينظر لي طويلا ولم يعلق ..
اعتقد ان الفكرة برغم كل شيء بدأت تروق له..
و سلام يا شباب