بسم الله الرحمن الرحيم
ده الجزء الرابع من قصه
العلامات الداميه
-4-
عندما تأتي الثالثة صباحا لا يعود بوسعك الاستيقاظ اكثر من هذا ...
كان ( بسيوني ) يعرف هذا عن نفسه ويقبله كحقيقة لا مفر منها ..
صحيح انه يبدأ السهرة بإشعال ( الراكية ) وإعداد الشاي ، وصحيح انه يفرغ ثلاثة او اربعة اكواب من الشاي الأسود ، الثقيل في جوفه ويفتح المذياع ، ثم يخرج ( الجوزة ) ويدخن حجرين على الأقل .. إلا انه يعرف ذلك الخدر اللذيذ المتسلل الى جفنيه .. ثم يصير وزن الجفن عدة أطنان ..
الحقيقة انه لم يكن متفرغا لهذه المهنة ، وكان يقضي الوقت صباحا في حقله .. لهذا كانت قدرته على السهر تتلاشى تماما عندما تمر ساعتان بعد منتصف الليل ..
على انه لم يكن يقلق كثيرا .. إنه لم يصادف طيلة عمله خفيرا في ( شونة ) الغلال هذه لصا واحدا .. عشرة أعوام ولم ير لصا واحدا ، حتى انه كون نظريته الخاصة عن العالم : العالم مكان آمن تماما والحادث لا تقع أبدا ..
إن ( بسيوني ) في الخمسين من عمره ، ولكنه يبدو في الستين .. وله عبارة واحدة لا يكف عن ترديدها : نحن نشقى في هذه المهنة وحان الوقت كي نستريح ..
الخطر الوحيد المحتمل هو تلك الكلاب المسعورة التي تحوم حول ( الشونة ) ليلا ومن عيونها يتصاعد الشرر .. لكنه كان يكتفي بقذفها بحجر او حجرين .. دعك من الجان طبعا فهذا شيء متوقع ومقبول .. عندما يمر به هؤلاء الناس طوال القامة ذوو العيون المشقوقة طوليا ، وأقدامهم ذات الحوافر تدق الأرض دقا ، كان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. وكان هذا يكفي لرحيلهم غالبا .. بعض القطط لم تكن مريحة جدا وكان يعرف انها أرواح متنكرة، لكن كان يصلح معها ذات أسلوب التعامل مع الجان ..
هكذا كان يمضي الساعات ملتفا بمعطفه الصوفي الثقيل ، والتلفيعة تحيط بعنقه لتعزله عن العالم عزلا .. وكان يعبث في النار بطرف عصا ويصغي لصوت الاحتراق .. ثم في الثالثة صباحا يغيب عن الوعي تماما .. فقط يصحو مع ضوء الشمس الدافئ المطمئن يخبره ان ليلة اخرى قد مرت ..
هكذا يعد لنفسه كوبا اخيرا من الشاي وينتظر حتى يصل الرجال ، وتضح الشونة بالحركة .. ثم يمشي الهوينى عائدا إلى داره حيث تكون ( ام محمود ) قد اعدت الإفطار .. سوف يظفر بساعتين آخريين من النوم ثم ينهض ليعنى بحقله ..
الليلة يضنيه البرد .. إن عظامه لم تعد تتحمله عل الإطلاق ، وهي ذي مناشير الروماتزم ( المراتزم كما يسميه ) تعمل عملها في عظامه .. لهذا احكم الغطاء من حوله ود ساقيه نحو النار .. إن ( الكلسون ) الصوفي لم يعد يؤدي عمله جيدا ..
يسمع الى صوت ذلك الكلب يعوي في مكان ما فيجاوبه كلب آخر يعوي من موضوع آخر .. في الليل يكون عواء هذه الوحوش مروعا كأنها اسود تتصارع ..
ثم ظهر ذلك الكلب الأسود الضخم يجري وسطن الشونة .. يقترب منه وهو يزوم .. مد يده والتقط حجرا وأحكم التصويب ثم قذفه على الكلب وأطلق سبة بذيئة ..
لم يمس الحجر الكلب لكنه أطلق ساقيه للريح مبتعدا ..
ثم بدأ ( بسيوني ) يفهم سبب حماس الكلب .. الكلب لم يكن يهاجمه بل كان يركض خلف رجل يركض .. هذه هي غريزة الكلاب الدائمة .. هذا الرجل يركض داخل الشونة وبالطبع يغلفه الظلام فلا تعرف ما يطارده بالضبط ..
لقد داعب النوم عيني ( بسيوني ) لحظة قلم ير هذا الرجل يدخل ..
نهض ومد يده يحمل البندقية العتيقة التي لا يعرف إن كانت تعمل ام لا .. وراح يجد الأثر نحو ذلك الرجل الذي دار حول المخزن ..
أراد ان يصرخ بشيء مما يقول الخفراء على غرار ( مين هناك ) أو شيء من هذا القبيل ، لكن النوم كان يغلبه أولا ، ثم انه لم يعتد هذه المواقف .. لهذا فضل ان يتم المطاردة في صمت ..
شق طريقه بين زكائب الغلال .. وهو يحاول الا يتعثر .. قلبه يتواثب بين ضلوعه من فرط الإثارة ..
أخيرا دنا من المخزن .. إن بابه في الجهة الأخرى لهذا رجح ان الرجل
دخله .. ستكون هذه مشكلة لأن الزكائب الكثيرة بالداخل سوف تجعل الاختفاء سهلا .. سوف ينتظره الرجل حتى يبتعد عن الباب ثم يخرج منه .. دعك من الظلام بالداخل .. لن تقدر على رؤية يدك ..
لهذا وقف جوار الباب لحظة وهو يلهث ويفكر فيما يجب عمله ..
إ ج ج ج ج ت ت ت و و و ش ش ش ش ش ش ش ش !!
ما هذا الصوت العجيب ؟ رجل يصرخ ؟ وهل من يصرخ يستعمل أي حرف غير الألف والهاء ؟ الحق ان الصوت جمد الدم في عروقه ..
والآن وجد الصوت فصرخ بأعلى صوته :
" من بالداخل ؟ "
لا رد .. فقط تردد الصوت ثانية :
إ ج ج ج ج ج ت ت ت ت و و و و ش ش ش ش ش ش ش !!
هكذا توغل اكثر داخل المخزن وهو يشعر بأنه عجوز مريض ، وان قلبه مرهق للغاية .. كان في جيبه عود ثقاب فأشعله واقترب من مصدر الصوت أكثر ..
هناك دماء ..
هناك رجل راقد على الأرض .. رجل يرتدي ثيابا غريبة .. ( أفندي ) كما يحلو له ان يصفه .. جوار الرجل كانت بركة من الدم الطازج .. واستطاع ان يرى كلمة خطت على الارض الترابية .. سوف تتشبها الرمال سريعا .. إنه يقرأ .. ليس ببراعة لكنه يفهم المطلوب على كل حال .. هكذا قرب الثقاب من الأرضية فقرأ التالي :
( يوسف ) ..
نظر الى وجه الرجل في ضوء اللهب فاستطاع ان يرى انه فارق الحياة . لقد راى موتى كثيرين ولم يعد يجد صعوبة في معرفة الموت حينما يراه . لم يتبين مصدر الجرح بسبب الإضاءة الخافتة لكنه يشعر بان صدر الرجل عبارة عن بركة دم كبيرة .. ولكن من فعلها ؟ لقد كان من رآه يجري وحده .. فلو كان من يجري هو القاتل فمتى دخل القتيل ولو كان من يجري هو القتيل فأين القاتل ؟
انتابه الذعر عندما انطفأ العود .. فأشعل آخر بسرعة وركض الى باب الشونة .. لا يعرف ما الذي جعله يفعل هذا لكنه صوب البندقية في الهواء وضغط على زنادها ..
بوم !!
دوت الطلقة في السكون ، فارتجف لها هو نفسه .. الوحش الذي نام اعواما لم يزل حيا .. ولم يتصور قط ان صوته عال الى هذا الحد ..
تعالى صوت نباح .. هذا كل شيء .ز
سوف يترك الشونة الآن ويركض باحثا عن عون .. لا بد من إبلاغ المأمور .. لكنه الآن يحتاج أولا الى ان ( يضبط دماغه ) بحجر من المعسل ليهدأ .. هكذا جلس امام النار وراح يعد الجوزة على عجل .. هذا آخر شيء اتصور ان يفعله .. لكنه فعله
الحقيقة أن ( بسيوني ) يتمتع بأعصاب قوية لو اردت رأيي . و سلام يل شباب ادعولي بقه