في أجواء تشبه قليلا أجواء الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر في سبتمبر 2005، حشد النظام والمعارضة كل قواهما من أجل التأثير على الجماهير، وإذا كان النظام يمتلك أهم وسائل الإعلام "التليفزيون- الإذاعة- الصحف القومية" وهي التي عملت بأقصى طاقة لها الفترة الماضية من أجل الترويج للتعديلات الدستورية وتحفيز المواطنين على الذهاب إلى الاستفتاء عليها، فإن أحزاب المعارضة تضامنت معها الصحف المستقلة اليومية والأسبوعية حتى إن هذا ظهر بشدة في منهج جريدة "المصري اليوم" التي اتخذت موقفا واضحا وصريحا ضد التعديلات الدستورية رغم أنها في أحيان كثيرة ما تتجنب الإعلان عن موقفها باعتبارها جريدة مستقلة غير محسوبة على الحكومة أو المعارضة.
الرئيس "مبارك" ذهب إلى أسيوط في توجه حكومي جديد لإظهار الاهتمام بالصعيد حتى إن ذلك ظهر في عدة نقاط بخطابه الذي ألقاه هناك- داعيا المواطنين إلى المشاركة في استفتاء الغد بالموافقة أو بالرفض، وعلى عكس بعض التوقعات فإن الرئيس لم يقم بإضافة أي شيء على التعديلات التي قدمها مجلس الشعب فظلت كما هي على حالتها وخصوصا المادتين 88 و179 جوهر الاختلاف بين النظام والمعارضة.
أما أحزاب المعارضة فجميعها أعلنت مقاطعتها للاستفتاء.. حزب الوفد نظم مؤتمرا جماهيريا في مقر الحزب بالدقي تحدث فيه رئيس الحزب "محمود أباظة" عن مقاطعة الحزب للاستفتاء قائلا: "سنقاطع لأننا لن نشارك العابثين والهازلين والراقصين، ولأننا -يقصد الوفد- ضمير الأمة والشعب كله سوق يقاطع معنا"، مشيرا إلى أن المقاطعة موقف سلبي تلجأ إليه معظم الشعوب كما خرجت جريدة الوفد بمانشيت أحمر ناري "الاستفتاء بلاء.. فقاطعوه غدا".
في نفس الوقت الذي أعلنت فيه أحزاب "التجمع" و"الناصري" و"الغد" مقاطعتها للمشاركة في الاستفتاء فإن حزب الجبهة الديمقراطية "تحت التأسيس" دعا إلى التصويت غدا ضد تعديل الدستور باعتبار المقاطعة فعلا سلبيا لن يضيف شيئا للإصلاح، وقال د."أسامة الغزالي حرب" وكيل المؤسسين إن يوم الاستفتاء يجب أن يكون يوم إظهار جميع مشاعر الغضب والرفض.
المقاطعة أيضا كانت الشعار الذي رفعته جماعة الإخوان المسلمين، "محمد حبيب" النائب الأول للمرشد العام قال في رده على سؤال لقناة الجزيرة عن أسباب المقاطعة إن الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور الذي جرى قبل عامين لم يشهد إلا حضور 3% من إجمالي حجم الناخبين، ومع ذلك أعلنت وزارة الداخلية أن نسبة الحضور كانت بين 50% إلى 60%، وهو ما يعني أن المواطن والمؤسسات الشعبية في البلاد لا يرَون جدوى في هذه الاستفتاءات بسبب غياب الشفافية وبالتالي تتم مقاطعتها.
الإخوان لم تتخذ موقف المقاطعة السلبي فحسب، بل عمدت إلى الهجوم أيضا على تحركات الحزب الوطني، موقع الإخوان المسلمين على الإنترنت نشر خطابا مذيلا بخاتم شعار الجمهورية وموجها من سكرتير إحدى المحافظات الساحلية إلى رئيس الوحدة المحلية لإحدى القرى بنفس المحافظة لينبه على ضرورة توجه العاملين بالوحدة المحلية إلى مقار لجان الاستفتاء للتصويت بـ(نعم) للتعديلات الدستورية، على أن تسلّم دفاتر الحضور والانصراف للوحدة المحلية صباح يوم الاستفتاء حتى يضمن مجيء العاملين في هذا اليوم تحقيقًا للمشاركة والتعاون للوصول لأعلى نسبة تصويت للقرية!
الأمر لم يقف على الصراع الداخلي بين النظام والمعارضة، بل إن أمريكا أيضا دخلت على الخط.. فبعدما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي إن التعديلات المصرية "شأن داخلي"، عادت وزير الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" وقبل زيارتها الأخيرة لمصر السابقة للقمة العربية وانتقدت التعديلات الدستورية واصفة إياها بأنها "مخيبة للآمال" مبدية تحفظها على أن تتراجع مصر للوراء في سبيلها للديمقراطية في الوقت الذي تشهد فيه العديد من دول المنطقة تطورا في الحريات.
اللافت أن "رايس" لم تدل بأي تصريح حول التعديلات الدستورية عندما جاءت إلى مصر، ولكن الصحفيين لم يتركوا وزير الخارجية "أحمد أبو الغيط" دون أن يعقب على تصريحات "رايس"، فما كان منه إلا أن قال بأن مصر وأمريكا أصدقاء لكن فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية فهذا شأن داخلي لا نقبل التدخل فيه حتى من الأصدقاء.
اللافت أن مواد الدستور في صورتها الجديدة لم تنشر في أي جريدة رسمية باستثناء جريدة الأهرام.
وفي نفس الوقت الذي لم تنشر فيه أجهزة الدولة المختصة التعديلات في صورتها النهائية في أكثر من وسيلة إعلامية -على اعتبار أن الشعب واع وإنه عارف التعديلات من نفسه-، فإن الهيئة العامة للاستعلامات نشرت مع كل الصحف اليومية ملحقا عن الكيفية التي يمكن أن تدلي بها بصوتك في الاستفتاء.. له في خلقه شئون!